منهجيّة تحليل قصيدة من شعر إحياء النّموذج


منهجيّة تحليل قصيدة من شعر إحياء النّموذج.

ذ. معروف محسن.

للسنة الثانية من سلك البكالوريا، مسلك الآداب والعلوم الإنسانية. 



1. القصيدة. (مأخوذة من امتحان 2018، الدّورة الاستدراكية، مسلك العلوم الإنسانية)



للسنة الثانية من سلك البكالوريا، مسلك الآداب والعلوم الإنسانية






2. التّحليل:




سعى شعراء إحياء النّموذج إلى تخليص الشعر العربي ممّا علق به من رواسب عصور الانحطاط؛ وذلك بإحياء النماذج القديمة في فتـرات ازدهار الشعر وبلوغه قمَّة صفائه ونُضْجِه. وقد كانت هذه النهضة نتيجة عوامل متعدّدة؛ أبرزها الاتصال الحضاري بالغرب الذي نَتَجَ عن حملة نابوليون، وظهور التّرجمة، والصّحافة والطّباعة، وما نشأ عن ذلك من تفاعل بين الأدب العربي والأدب الغربي، هذه كلّها عوامل جعلت العرب يتساءلون عن أسباب تأخُّرِهم وتقدُّم غيرِهم، وجعلت مفكرين كثيـرين يدعون إلى العودة إلى الماضي، لإحياء النّموذج الشّعريِّ القديم في فتـرات ازدهاره، والنسج على منواله ومضاهاته مضموناً وشكلاً، ومن ثمّ تخليص الشّعر العربي من الصّنعة والتّكلف والعناية باللّفظ وإهمال المعنى. ومن الشعراء الرّواد الّذين دعوا إلى إحياء النّموذج، وأسهموا في ذلك، نذكر: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وأحمد شوقي، وعلال الفاسي، ومحمد مهدي الجواهري...، ويُعَدُّ محمود سامي البارود من أبرز الرّواد الذين حملوا لواء شعر إحياء النّموذج، فنظم قصائدَ متعدّدةً، سنتّخذ إحداها موضوعا للتحليل والدّراسة، وهي قصيدة نَظَمَـها حينما كان منفيّا في جزيرة سَرنديب. فما مضمون هذه القصيدة؟ وما الحقول الدّلالية المهيمنة فيها، وما المعجم المرتبط بها، وما علاقتها بحالة الشّاعر النّفسية؟ وما خصائصها الفنّية؟ وما مدى تمثيلها لتجربة إحياء النّموذج؟


بالنّظر في شكل النّص يتّضح لنا أنّه قصيدة عمودية ذات نظام تقليدي، قائم على التّصريع، والشّطرين المتناظرين، والروي والقافية الموحدّين. وتبعا لهذا التّوصيف، وبناء على بداية النّص ونهايته، نفترض أنّنا بصدد قصيدة تنتمي إلى شعر إحياء النّموذج، قد يعبّر خلالها الشّاعر عن غربته ومعاناته في المنفى، آملا رجوعه إلى وطنه. فما مدى صحة هذه الفرضية؟

نظم الشّاعر هذه القصيدة، وهو في المنفى، لتصوير حاله النّفسية وهو بعيد عن موطنه، إذ استهلها بالتعبير عن معاناته من الغربة، فالافتخار بشجاعته وتحملّه المصاعب والشّدائد وتشبُّثِه بمبادئه، ثم الدّعاء لموطنه مصرَ بالخصب والازدهار، مُعبِّرا عن حنينه إليه واشتياقه إلى أهله، لينتهي إلى الإفصاح عن أمله في الرّجوع إلى وطنه ولقاء أحبابه. ويبدو جليّا أنّ الشّاعر قد التـزم بنظام القصيدة التّقليدية، من حيث المضمون، ويتجلّى ذلك في تعدّد الأغراض وتوظيف معاني تقليدية كتصوير المعاناة، والفخر بالشجاعة والصّبر، والتعبيـر عن الشوق، والإفصاح عن الأمل في الرّجوع.

هذا من حيث المضمون، أما من حيث معجم القصيدة، فقد وظّف الشاعر معجماً تراثيّا يتّسم بجزالة اللفظ وقوّة جرسه، وفخامة العبارة. ويتجاذبه حقلان دلاليان، حقل دال على الغربة والمعاناة: "زفرة محزون، نظرة وامق غربة، نزعت ثياب العلائق، رنّقن مشربي...."، وحقل دال على الشّوق والحنين إلى الوطن: "يا مصر، ظلك، ثراك، النّيل، أهلا، جيرة تعتادني، فراقهم، بلقائهم، مشوق، شائق...". ولا شك في أن هذين الحقلين يتصلان بنفسية الشّاعر، التي تختلط فيها أحاسيس المعاناة من الغربة بمشاعر الشوق والحنين إلى الوطن.

ومن حيث الإيقاع، يمكن أن نقف على مستويين، مستوى خارجي ومستوى داخلي؛ ففي مستوى الإيقاع الخارجي نجد الشّاعر قد التـزم بنظاَم الشطرين المُتناظرين، القائم على وحدة الوزن والقافية والرّوي والتّصريع في مطلع القافية؛ ذلك أنه اتَّخَذ بحر الطّويل وزنا والقاف رويّا، وقافية مطلقة من نوع المتدارك (/0//0) والتـزم بهم في أبيات القصيدة كلّها. وفي مستوى الإيقاع الدّاخلي، استعان الشاعر بكلّ من التكرار والتّوازي، فالتكرار يتجلّى في تكرار جملة من الأصوات، مثل "القاف والهاء والعين..."، وتكرار المد، نحو "الألف والياء.."، وتكرار بعض الألفاظ، نحو: "بارق، جيـرة..."، وبعض الصيغ الصّرفية، مثل "بارق/وامق، رنّقن/ثلّمن...". أما التوازي فيكمن في التّوازي التركيبي، نحو قوله "فما غيرتي محنة/ ولا حَوْلتي خدعة، هجرت لذيذ العيش/ودّعت ريعان الشباب.."، وقد اضطلع الإيقاع بوظيفة تعبيرية ووظيفة جمالية؛ فَقَد كان صدى لمعاني الإحساس بالمعاناة والشّوق، وَأْضَفى، في الوقت نفسه، جرساً موسيقيّاً في القصيدة.

أمّا من حيث التّصوير، فقد عمد الشّاعر إلى توظيف جملة الصّور الشّعرية المستقاة من التـراث الشعري العربي، وهي صور قائمة على المجاز والاستعارة، نحو قوله : "نزعت بها عنّي ثياب العلائق.." إذ تُشير الثياب إلى دفء صلته بأهله وعلاقته بوطنه، الدفء الذي افتقده بسبب الغربة، ومن الأمثلة الأخرى قوله : "حل الشّباب تمائمي...، تسمح الأيّام...". وهي صور شعرية ذات وظيفة تعبيرية، ووظيفة جمالية.


لقد عمل الشّاعر محمود سامي البارودي على تصوير ما لَقِيَه من معاناة في الغربة، مفاخراً بصبره وتحمّله وثباته على مبادئه، داعيا لوطنه، الذي يحنّ إليه، بالازدهار والخصب، آملا أن يعود إليه. وقد توسل بجملة من آليات التّعبير القديمة، كالمعجم والإيقاع والصور الشعرية. ومن ثَمَّ يمكن تأكيد صحة الفرضية التي اقترحناها في مستهلّ التّحليل.
ويمكن أن نؤكد تمثيل هذا النّص لخطاب شعر إحياء النّموذج، نظراً لما توافرت فيه من مقومات هذا الخطاب، التي يمكن إجمالها في تعدّد أغراض القصيدة وتوظيف بعض المعاني التّقليدية، مثل التعبير عن المعاناة، والشوق، والفخر بالصبر والشّجاعة...، واتّصال معجمها بالتراث الشعري العربي، والالتـزام بالبنية الإيقاعية التّقليدية، القائمة على نظام الشطرين، ووحدة الرّوي والقافية والتّصريع في المطلع..، فضلاً عن اعتماد صور شعرية مُستقاة من التراث الشعري العربي.




منهجيات اللغة العربية | للسنة الثانية بكالوريا | مسلك الآداب والعلوم الإنسانية











حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-