مكوّن درس النصوص | رصيد معرفي

مكوّن درس النصوص | رصيد معرفي

مستوى: أولى باك | الشعب العلمية والتقنيّة


مكوّن درس النصوص | رصيد معرفي




المجزوءة الأولى: أنواع الخطاب



الخطاب لغة هو طريقة التخاطب والتّواصل مع الآخر، جاء في لسان العرب: الخطاب والمخاطبة: مُراجعة الكلام، وقد خاطبه بالكلام مُخاطبة وخطاباً، وهما يتخاطبان.
أمّا اصطلاحاً فهو سلسلة من الملفوظات التي يُمكن تحليلها باعتبارها وحدات أعلى من الجملة تكُون خاضعة لنظام يضبط العلاقات السياقية والنصية بين الجمل.
وينقسم إلى عدّة أنواع: فحسب قناة التواصل يُمكن التمييز بين الخطاب الشفهي والخطاب المكتوب، وحسب نوع الإرسال نميّز بين الخطاب المُباشر والخطاب غير المباشر، وحسب علاقة الخطاب بالواقع نُميّز بين الخطاب الصريح والخطاب الضمني، وحسب المرجع نميز بين الخطاب العلمي والخطاب الفلسفي والخطاب الديني وغيرها من الخطابات... وتبعاً لهذا الاصطلاح الأخير ستتعرف ثلاثة أنواع، وهي: الخطاب الإشهاري، والخطاب الصحفي، والخطاب السياسي.




• الخطاب الإشهاري

يقصد بالإشهار فعل ترويج مُنتج أو خدمة على مستوى واسع باستعمال وسائط معينة. وهو يعتمد ثلاثة أطراف : المشهر - وكالة الإشهار - الوسيلة المركّز عليها للوصول إلى الجمهور.
والخطاب الإشهاري خطاب دال يشترك في الدلالة مع كل أنواع الخطابات الأخرى، غير أنه يتميز عنها في الجمع بين مكونات عدة: لغوية وصوتية وتصويرية وغيرها، وذلك بهدف التأثير في المتلقي واستمالته لتسويق مُنتَج أو التحسيس بقيمة معيّنة.




• الخطاب الصحفي

الخطاب الصحفي هو فنّ إذاعة الخبر ونقل الأحداث وغيرها من القضايا والوقائع. ويختلف مضمونه باختلاف الفئة الموجه إليها، وصاحبه يروم إيصال المعلومة إلى القارئ قصد إقناعه بها، معتمداً في ذلك على الحجج المدعمة لخطابه ووجهة نظره. والخطاب الصحفي لا يتجسد من خلال شكل صحفي واحد وإنما يتشخص من خلال العديد من الأشكال كالجرائد اليومية والمجلات الأسبوعية والشهرية والفصلية وغيرها من الدوريات. كما أنه يعرف أنواعاً كثيرة، منها: المقال الإخباري، والتقرير الصحفي، والتحقيق والتعليق والمُقابلة الصحفية، وغيرها من الأنواع.
وله أثر عميق في تنبيه الأذهان وتنوير الرأي العام وتوجيهه. لذلك تعتمده الدول والأحزاب والمؤسسات للإبانة عن مواقفها والدعوة إلى آرائها.




• الخطاب السياسي

الخطاب السياسي مُمارسة اجتماعية تسمح للأفكار والآراء بأن تمرر وتنتشر بين فئات المجتمع. وباعتباره خطاباً حجاجيا فإنه يسعى إلى التأثير في الآخر. وهذه المقصدية تقتضي من صاحبه، سواء أكان فرداً أم جماعة، صياغة خطة خطابية محكمة لتحقيق الإقناع. فكل خطاب سياسي يتأسس على مجموعة من المفاهيم هي كلّ ما يشكل مادته الفكرية الحية، ويقوم على ثقافة سياسية تُعتبر دعامة ضرورية لكل برنامج أو مشروع سياسي.
ولكلّ خطاب سياسي تصورات سياسية قد تبلغ مرتبة البناء المعرفي والنظري أو تبقى مجرد مواقف أو برامج سياسية محدودة. أما لغته فترتبط بشكل وثيق بالمستوى الفكري للشرائح الاجتماعية التي تؤمن بها أو تروج لها وتدافع عنها.




المجزوءة الثانية: قضايا معاصرة

القضايا المعاصرة هي القضايا المستجدة التي طرأت على الناس في العصر الحاضر، ولم تكن معروفة في العصور السابقة. وتعتبر التنمية والتكنولوجيا والهجرة في علاقتها بالإنسان أمثلة لهذه القضايا التي تعوقها مشاكل عدة ينبغي تجاوزها، قصد تحقيق النمو الاقتصادي للمجتمع وتطوير الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية، لما نعاينه اليوم من التطور المتسارع في ميدان التكنولوجيا وحقل التنمية وتداعيات مشاكل الهجرة. لذا أصبح من الضروري التأكيد على البعد الإنساني في التنمية والتكنولوجيا، وإيلاء المزيد من الاهتمام للجانب الإنساني الذي يتعلق بتاريخ المجتمع وتراثه وعاداته وتشريعاته، لكون الجانب الإنساني يمثل حجر الزاوية في ازدهار الحضارة، وفي الحفاظ على الهوية والانتماء إلى المجتمع.




• الإنسان والتنمية

التنمية هي العملية الهادفة إلى إحداث تغيرات هيكلية واقتصادية واجتماعية بهدف رفع مستوى المعيشة، والقضاء على ظواهر التخلف، وإحداث نوع من العدالة في توزيع الدخل الوطني؛ ويشكل الاهتمام بها إحدى قضايا هذا العصر التي تشغل بال كل الفاعلين، لكون التنمية أصبحت قضية مصيرية بالنسبة للدول النامية التي اعتمدت على التكنولوجيا المستوردة، مما وسع الفجوة بين مستويات المعيشة فيها وبين الدول الغربية. وبناء على فشل هذا التصور للتنمية بدأت تظهر أفكار جديدة، لبعض علماء الاقتصاد والاجتماع، تدعو إلى توسيع مفهوم التنمية ليشمل أهدافاً أخرى، كالنظر إلى الجانب الاجتماعي، والتركيز على الإنسان ودوره في تحقيق التنمية، والمحافظة على البيئة أكثر من التركيز على السلع والخدمات.
هذا التطور في مفهوم التنمية، سيؤدي إلى تطورات جديدة لها، مثل: التنمية القروية، والتنمية المستدامة، والتنمية البشرية، والاعتماد على الذات. وتم التركيز على مفهوم "الحاجات الأساسية" للإنسان، وعلى رأسها: الغذاء والكساء والمسكن، والاهتمام بعدد من القيم التي تدفع بالتنمية إلى الأمام مثل التسامح، واحترام الثقافات المختلفة، ومراعاة حقوق واحتياجات المرأة و الأطفال، وحماية البيئة، وعدم التساهل مع البطالة المفرطة، وتقدير المعرفة والتعليم، إلى جانب الاستفادة من القدرات البشرية والبحث والتطوير التكنولوجي والتحفيز على الإبداع والابتكار والتميز، وتشجيع روح المبادرة والمنافسة، باعتبارها عناصر أساسية لإنجاح التنمية.




الإنسان والتكنولوجيا


أصبحت التكنولوجيا، في الوقت الراهن مطلباً أساسيّاً، ليس لتحقيق التقدم الصناعي والتطور الاقتصادي فحسب، بل ضرورة لحياة الإنسان اليومية؛ إذ لم تعد الآلة تحل محل اليد البشرية في العمل فحسب، بل حلّت أيضاً محلّ الدماغ البشري، وذلك بعد ما سهلت على الإنسان توفير احتياجاته، ومطالبه الأساسية، وتحقيق رغباته في المعرفة والاتصال والانتقال.
وعلى الرغم ممّا حققته التكنولوجيا من منافع للإنسان، إلاّ أنّها ساهمت - من جانب آخر - في تدميره، وتهديد وجوده وحضارته، عن طريق إنتاج وسائل جديدة للحرب والدمار، واتباع الرغبة في السيطرة على الغير، والإضرار بالبيئة الطبيعية. فهي تحمل قوتين متناقضتين: قوة الخلق، وقوة التدمير. ورغم الثورة المتفجرة من الإبداع العلمي والابتكار التقني، إلاّ أنّ التكنولوجيا لم تنجح في تحقيق حياة أفضل لأكثر من نصف البشرية، لذا فالمقياس الذي أصبح يقاس به التطور لم يعد هو مقدار ما يملكه المجتمع من ثروات طبيعية أو بشرية، وإنما أصبح هو درجة التقدم العلمي والتقني، ومقدار ما يخصّصه للبحث العلمي من جهد ومال. بل لقد غدت التكنولوجيا في وقتنا الراهن: القوة الأولى المهيمنة على سوق التجارة العالمي، والموجه المؤثر الأقوى في العلاقات بين الدول، سياسيا واقتصاديا وثقافيا. ويرى الكثير من العلماء والمفكرين الذين يهتمون بدراسة آثار التقدم في مجال العلم والتكنولوجيا على المجتمع، أنّ هذا التقدم الهائل يقابله تدهور سريع في القيم الاجتماعية والثقافية والأخلاقية. ومن هنا فلا ينبغي النظر إلى التكنولوجيا باعتبارها مجرد آلات وأجهزة تستخدم في تسهيل الحياة اليومية للإنسان، بل باعتبارها نمطاً معيّناً من السلوك، ومن الحياة، ومن التفكير.





الإنسان ومشاكل الهجرة


الهجرة ظاهرة اجتماعية عالمية. استقطبت اهتمام العديد من العلماء والدارسين على اختلاف تخصصاتهم: فالجغرافيون يهتمون بدراسة أثر العوامل الطبيعية في إحداث الهجرة، ويبحث الاقتصاديون في مدى تأثير الهجرة على النمو الاقتصادي، أما علماء الاجتماع فيهتمون بتحليل الظاهرة من مختلف جوانبها، بما فيها: أسبابها، ونتائجها، والعوامل المؤثرة فيها، ومدى تكيف المهاجر مع قيم مجتمع الاستقبال. وتتخذ هذه الظاهرة أشكالاً متعددة، أكثرها شيوعاً:
الهجرة الداخلية: من البوادي إلى المدن، حيث تنتقل أعداد هائلة من السكان من المناطق التي تعاني من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية إلى المناطق الأحسن ظروفاً والأيسر حالاً من أجل البحث عن فرص عمل أفضل، وتحسين ظروف العيش. غير أن الزحف من البوادي نحو المدن، سرعان ما يفرز أزمات اقتصادية واجتماعية ينجم عنها تردي العلاقات الاجتماعية، وتراجع القيم، وانتشار السلوكيات السلبية.
الهجرة الخارجية: من بلد إلى آخر؛ فرغم ما تحقق للمهاجر من مكاسب مادية أو معنوية، ولبلده من مداخيل من العملات الأجنبية، إلا أنها لا تخلو من أضرار لما يتعرض له المهاجر من استفزازات عنصرية أو معاناة سوء الاندماج. أما إذا كان المهاجر كفاءة علمية أو تقنية؛ فالضرر أفدح لما تسببه هجرة العقول من حرمان الدول النامية من ثروتها البشرية وكفاءاتها المميزة والمحدودة، مما ينعكس سلبا على التنمية في البلاد بما في ذلك من ضياع للجهود والطاقات الإنتاجية، وتبديد الموارد البشرية والمالية الثمينة، وركود البحث العلمي.
ومهما يكن، فإنّ التخطيط للهجرة، والتحكّم فيها، يظلان أمرين ضروريين، وذلك بربطها بمتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.



 المجزوءة الثالثة: مفاهيم

المفاهيم هي بؤرة معنى الأفكار، وقد يكون لهذا المعنى وجود واقعي أو تصوري. فإذا كان لذلك المعنى الذي تضمنته الألفاظ واقع يقع عليه الحس، أو يتصوره الذهن، ويصدقه باعتباره شيئاً محسوساً، فإنه يكون مفهوما عند من يحسه ويتصوره، ولا يكون كذلك عند من لا يحسه ولا يتصوره. وعلى المتلقي أن يفهم معاني الجمل، وأن يدرك في الوقت ذاته واقع هذه المعاني في ذهنه إدراكاً يشخص له هذا الواقع، فتصبح تلك المعاني في هذه الحالة مفاهيم. فالمفاهيم إذن هي المعاني التي أدركنا لها واقعاً في أذهاننا، سواء أكان ذلك الواقع محسوساً أم مسلماً به، وما عدا ذلك من معاني الألفاظ والجمل لا يسمى مفهوما بل مجرد معلومات.





الحداثة


ظهرت الحداثة في أوروبا في القرن السابع عشر، وترعرعت في سياقها الاجتماعي والسياسي والثقافي، وبلغت ذروتها في مطلع القرن العشرين. لذا لم تستقر على تعريف محدّد الدلالة، بل تطوّرت بتطور البورجوازية الغربية. فقد تأثر تحديدها في البداية بمفكري التنوير الذين حصروا معناها في العقلانية العلمانية والتقدم المادي والديمقراطية، لكن النتائج السلبية التي أفرزتها البورجوازية في القرن التاسع عشر (من خلال شعاراتها المزيفة واستغلالها لحقوق العمال وما نتج عنها من حرب عالمية أولى وفوضى حضارية وفكرية عمّت العالم برمته) استدعت إعادة النظر في الحداثة، وشحنها بدلالات أخرى لتجديد معناها حسب تحولات العصر.
فالحداثة الغربية إذن لا تقتصر على مجال دون آخر، فهي ليست مفهوماً اقتصاديا أو اجتماعيا أو فنيا أو سياسيا أو ثقافيا، وهي أيضا ليست وصفة محددة المعنى وثابتة الدلالة، وإنما هي حركة تاريخية قابلة للتطور والتنوع، وصيغة من صيغ الحضارة الغربية التي ترفض التقليد والتراث، وتقبل العلم والعقلانية والتقدم والديمقراطية. وعليه، فهي لا يمكن أن تنحصر في مذهب سياسي أو مدرسة أدبية أو تيار فكري.
أمّا الحداثة في العالم العربي فهي مصطلح دخيل، اقتبسه المفكرون العرب من الغرب، وفسّروه حسب تصوراتهم الفكرية والإيديولوجية. وبما أنّ المصطلح نفسه قد اتسم في الغرب بالتنوع والتعدد في الدلالة، فإنه في العالم العربي قد عرف خلطا في المعاني واختلافا في التأويل والتفسير. وإذا كان البعض قد رفضه جملة وتفصيلا، فإن الذين تبنوه انقسموا إلى تيارات متباينة. وهذا الاختلاف بين المثقفين العرب في الرؤى وطرائق التفكير قد خلف سجالات ثقافية غزيرة ومتنوعة.




• التواصل

التواصل هو عصب العلاقات الإنسانية، ولم يعد مقصوراً على المجال اللفظي الذي يتم من خلال العلاقات اللغوية بين المتكلمين المنتمين إلى وضعية لغوية متجانسة، وإنما ينسحب على جميع الأنظمة التواصلية مثل كتابة "براي"، أو الإشارات الطرقية، وكذا جميع الأشكال الثقافية التي تمثل هوية الفرد من لباس وطقوس وعادات وعمران، حيث تعتبر وقائع إبلاغية ترمي إلى التواصل مع الآخر، إضافة إلى الطرائق الحديثة في التواصل كالإشهار والبث التلفزي والإذاعي والإنترنت. إنها آليات تخاطب الآخر، وتوجه إليه إرساليات، في كثير من الأحيان مشفرة تحتاج إلى فك رموزها، وتحليل معانيها.
نخلص إلى أن التواصل صيرورة اجتماعية تتضمن أنماطا من السلوكات الإنسانية عبر الملفوظ اللساني، أو التعبير الجسدي، أو الفضاء الفاصل بين الباث والمتلقي الذي يحمل بدوره شحنة دلالية تحدد نوعية العلاقات الرابطة بينهما. وحين يغيب التواصل يحل محله اللاتواصل فيمتنع الحوار والتفاعل بين الأطراف الفاعلة في العملية التواصلية، ويورث ذلك التباعد والتنافر والشقاق، وفي أقصاه العنف اللفظي أو الجسدي. لذلك لا يؤدي التواصل مراميه إلا إذا تم التمكن من استئصال معيقاته، آنذاك يحقق التواصل هدفه.
إنّ التواصل الإنساني والثقافي يعدّ ضرورة إنسانية قصد بناء تفاعل متبادل. فالتواصل الإنساني بكل مقوماته قيمة حضارية ثمينة، وأرضية خصبة للتسامح والتعايش بين الثقافات والأفكار المختلفة. لذا من الضروري إرساء قواعد التواصل بين مختلف الأطياف والثقافات، حتى تمارس كلّ الثقافات دورها في البناء والتطوير الهادفين. هكذا يتم تأصيل قيم الحوار والتسامح والكرامة الإنسانية، وتحوّل إلى حقائق ووقائع تزيد وتعمق خيارات البناء والعمران، وتصبح البديل الطبيعي لعلاقات التنابذ والنفي.



الإبداع


الإبداع لغة هو البدء والإنشاء والاختراع على غير مثال سابق. أما اصطلاحا فهو مجموعة من القدرات الشخصية والنفسية والعقلية التي يتصف بها الشخص المبدع، فتجعله متجاوزا المقاييس العادية من خلال أعماله في الأدب أو الفن أو العلم وغيرها من حقول المعرفة والنشاط. فالإبداع إذن هو القدرة على ابتكار الجديد أو اكتشافه.
غير أن الأعمال الإبداعية ليست كلها متشابهة. فمنها البسيط والمتوسط، ومنها الأكثر تعقيداً. كما أنها تتنوع بين الإنجاز الفردي والإنجاز الجماعي؛ فجانب منها يصدر عن قدرات فردية خالصة كما هو الشأن في بعض الأعمال الفنية والعملية، والجانب الآخر لا يمكن أن يتحقق إلا في ظل شروط تاريخية معينة، مثل الابتكارات العظيمة التي تحتاج إلى قرارات سياسية، ومؤسسات اقتصادية قوية، وتضافر العديد من الجهود لإنجازها.
ورغم هذه الاختلافات بين أشكال الإبداع ومستوياته، فإن القاسم المشترك بين المبدعين هو مجموعة من السمات الشخصية والنفسية التي تجعلهم يتميزون بها عن الإنسان العادي. ويمكن إجمالها في: أنهم أميل إلى الثقة بالنفس والاستقلال بالشخصية والتفكير والانطلاق في التعبير، وهم أكثر تفتحا على الخبرة، وأكثر قدرة على العمل والإنتاج وتنظيم الوقت، ولهم قدرة عالية على الصبر وتحمل الضغوط. لكن هذا لا يعني أن الإنسان العادي يظل في منأى عن الإبداع، وأن المبدع شخص استثنائي تستحيل مجاراته. فقد بينت جل الدراسات أن العملية الإبداعية تخضع لمقومات موضوعية لو اقتفى الإنسان العادي طريقها لأصبح مبدعاً، بل وعبقريّاً أيضاً. ومن أهمها مقومان:


- تغذية المخيلة الإبداعية بالوسائل التي تفسح لها مجال النشاط، كتوفير الفضاء الملائم، وما ينتج عنه من مظاهر الاسترخاء، والبعد عن التصلب الذهني الذي يقتل المخيلة والإبداع.
- التمتع بإرادة قوية قصد تحدي المعيقات التي تقف حاجزاً كالخوف من الفشل والتهميش أو عدم الثقة في النفس.
فهذه الشروط ليست بالمستحيلة على الإنسان العادي، بل هي مساعدة له على ولوج عالم الإبداع والابتكار.




المجزوءة الرابعة: القيم




• التضامن

لقيمة التضامن دلالات متعددة تتسع لجميع معاني التكافل والتعاون التي يمكن تصورها. وهي بشكل عام تعني مشاركة الغير فيما يشغله من مشاغل الحياة. لذا يتعذر على الإنسانية أن تمضي قدما في تصالح دائم وتعايش مستمر إذا لم ترفع شعار التضامن، لاسيما وأن المجتمعات والشعوب معرضة للحروب والكوارث والأمراض مما لا يقوى على تحمله المجتمع الواحد، فكان لزاماً عليها أن تتضامن.
ودوافع التضامن نوعان، دوافع عاطفية وأخرى عقلية. فالعاطفية هي التي تتأسس على مشاعر وجدانية خالصة، يكون باعث التضامن فيها ناتجاً عن عصبية عرقية أو قبلية أو مذهبية أو لونية أو دموية أو غيرها من الدوافع العاطفية المحدودة والضيقة.
أما الدوافع العقلية لقيمة التضامن فهي التي يكون باعثها الواجب الإنساني الذي يؤمن بكرامة الإنسان والحق في التضامن معه أثناء تعرضه لفاجعة ما أو كارثة من الكوارث. وفي هذه الحالة يستحيل التضامن إلى قيمة حضارية تعبر عن عمق الروح الإنسانية والوعي بالمسؤولية المشتركة بين مختلف الأفراد والمجتمعات على السواء، وكل هذا لا يتحقق إلا بالاقتناع بضرورة التضامن وقبول الآخر واحترام الاختلاف معه.





التسامح


يعني التسامح الإقرار بحق الاختلاف والقبول بالآخر، واحترام المخالف بغض النظر عن عقيدته وعرقه ولونه وانتمائه الفكري والسياسي وطبقته الاجتماعية أو الجنسية، والاعتراف بحقه في الوجود وبحقه في التعبير عن رأيه بطلاقة ودون رقابة. فالتسامح قيمة أخلاقية وضرورة سياسية وقانونية، ومشير دال على التحضر، وفضيلة تجعل السلام ممكناً، ومفتاح حقوق الإنسان والتعددية الثقافية وشرط التآلف والاجتماع ودعامة التضامن وحسن الجوار.
وللتسامح صور متعددة أهمها التسامح الديني: وقد كان الإسلام سباقا إلى التعايش السلمي بين مختلف الأديان، لأنها في نظره حلقات متصل بعضها ببعض، مصدرها واحد وهدفها واحد. ويشهد على تجذر التسامح الديني عند المسلمين تأسيس مجتمع المدينة المنورة بعد الهجرة على أسس التعددية الدينية والثقافية، الباعث إليها الإيمان بمبدإ "لا إكراه في الدين"، سورة البقرة، الآية: 256، وكذا عفو الرسول صلى الله عليه وسلم عن قومه حين فتح مكة قائلا لهم: "اذهبوا فأنتم الطلقاء". كما تشهد العهدة العُمرية على التعايش السلمي بين المسلمين وغيرهم في بلاد القدس.
وإذا كانت حرية التدين ميسماً مميّزاً للتسامح فإن القبول بالآخر كما هو، وتجنب الميز العرقي والتعصّب المذهبي والفكري من صور التسامح كذلك.



الجمال


الجمال قيمة إنسانية عظيمة، تناولها الفلاسفة والمفكرون منذ القديم بالتحليل والتمحيص، وصاغها الفنانون والأدباء في صور شتى ومضامين متنوعة. والإنسان في حياته اليومية لم يأل جهداً في تجسيد الجمال وتبنّيه، سواء من خلال الاعتناء بأناقته ومظهره الخارجي أو من خلال استمتاعه بكل ما هو جميل. غير أن الجمال لم يستقر على معنى محدّد، ولذلك حير الفلاسفة والفنانين وعلماء النفس والمفكرين، فتعددت تفسيراته وأشكال الإحاطة به.
ففي المجال الفلسفي مثلا حصر "الفيثاغوريون" الجمال في ما يجسد النظام والتماثل والانسجام. أما سقراط فقد ربطه بالخير والمنفعة، في حين اعتبره أفلاطون صورة عقلية تنتمي إلى عالم المثل، بينما جعله ابن حزم جزءا لا يتجزأ من الحب الطاهر العفيف.
أما في مجال الأدب العربي فقد اتخذ الجمال صيغا شتى وأشكالا متنوعة، كشفت عن الذوق المرهف والإحساس الرقيق. وتجليات معانيه ستختلف من حقبة إلى أخرى، ومن مبدع إلى آخر. ففي العصر الجاهلي صاغ الشاعر القديم صورة واقعية للجمال، سواء أتعلق الأمر بوصفه لعناصر الطبيعة أم بوصفه للإنسان. وفي العصر الإسلامي ارتبط جمال الصورة بجمال الأخلاق والنفس. أما في العصرين الأموي والعباسي فقد تطور مفهوم الجمال تطورا بيّنا، تفاعلت في تشكيله مؤثرات حضارية مختلفة، فأضحى صورة مركبة من عناصر يمتزج فيها الخيالي بالعاطفي، والعقلي بالروحي، والاجتماعي بالحضاري. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل نما الجمال مع الشعراء المحدثين نموا ملحوظاً، وتشعبت دلالاته حسب المدارس الأدبية والتيارات الفكرية.
ويتضح مما سبق أنّ الإنسان كان في كل لحظة من لحظات التاريخ يربط مع الجمال علاقة ذاتية خاصة، حسب ثقافته ورؤيته إلى العالم.




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-