منهجيّة تحليل نص نظري | مستويات الدراسة البنيوية | صلاح فضل

منهجيّة تحليل نص نظري | المنهج البنيوي

مستويات الدراسة البنيوية | صلاح فضل



في رحاب اللغة العربية | السنة الثانية من سلك البكالوريا | مسلك الآداب والعلوم الإنسانية | ص 241.

الأستاذ: محمد البوعيادي




مستويات الدراسة البنيوية | صلاح فضل







1. تأطير النص


على عكس المنهج الاجتماعي لا يركّز المنهج البنيوي على جانب المضمون والرسالة في النص الأدبي، ولا تهمه علاقة النص بالمحيط الاجتماعي والظواهر السائدة في البيئة، كما أن حياة الأديب وانتماءه الطبقي لا يكتسي أهمية كبرى في تأويل النص وتبيّن غايته، فمركز اهتمام المنهج البنيوي في العملية النقدية هو النص في حد ذاته، أي الجانب الشكلي المادي للنص. وقد تطور هذا المنهج باعتباره امتداداً للمنهج الشكلاني الروسي، الذي كان يركز على عنصر اللغة في الكتابة وعلى البنيات المشتركة بين الحكايات والنصوص، من تقنيات ووسائل كتابة، لكنه استقل بنفسه منهجا خاصا في مرحلة الستينيات والسبعينيات مع جماعة تيل كيل tel quel الفرنسية، التي ضمت نقادا كبارا أمثال رولان بارث وجوليا كريستيفا وجيرار جونيت، وقد انكب هؤلاء النقاد على وضع خصائص عامة للمنهج من خلال تحليلهم لنصوص الشعر والرواية والقصة، فاستفادوا من مصطلحات البنيوية في مجال اللسانيات التي وضع أسسها دي سوسير، مثل مصطلح البؤرة والبنية والمتواليات والتشابه إلخ، فرسخوا تصورهم لكون النص الأدبي يعتمد أساساً على تقنيات الكتابة ووسائل اللغة وجمال المكونات الشكلية. وقد انتقل هذا المنهج إلى العالم العربي عبر وساطة الترجمة، وبزغ فيه نقاد كبار أمثال صلاح فضل وكمال أبو ديب ويمنى العيد ومحمد برادة ونجيب العوفي ..إلخ.

2. ملاحظة النص:


• العنوان :


يحيل العنوان بشكل مباشر على معنى المنهج البنيوي، والمستويات التي يهتم بها في تحليل النص الأدبي، فهو عنوان مركز ومباشر.

• فرضية النص :


من خلال تحليل بداية النص ونهايته ومدلول العنوان المباشر نفترض أن النص سيحدد أهم خصائص المنهج البنيوي ومنطلقاته في التعامل مع النصوص الإبداعية.


3. فهم النص :


• الفكرة العامة


يشير صلاح فضل إلى أن المنهج البنيوي في التحليل النقدي الأدبي ينطلق من فكرة عامة، هي أنّ النص عبارة عن بنية كاملة تتراص داخلها مكونات جزئية متنوعة مرتبطة بالعناصر الشكلية مثل الإيقاع واللغة وتقنيات الكتابة، فالمنهج البنيوي يركّز على الشكل وعلى هذه التقنيات ويترك قضية الرسالة أو المضمون هي الأخيرة، وقد اعتبر أن كلّ نص يتكون من أربع مستويات :

المستوى الصوتي: حيث يدرس المنهج البنيوي أصوات وحروف النص مثل حروف الروي مثلا أو دراسة تكرار الحرف في الشعر.

المستوى المعجمي: حيث ندرس في المنهج البنيوي معجم النص ودلالة كلماته.

المستوى النحوي: حيث يدرس المنهج البنيوي طبيعة الجمل والأساليب الغالبة فيها.

المستوى الرمزي: حيث يدرس المنهج معاني الرموز الكامنة في النص، مثل الرموز التي ندرسها في الشعر الحديث ونبين تأويلاتها.




4. التحليل :


أ‌. القضية الأساسية:


يعرض النص النقدي النظري لقضية محورية هي قضية التعريف بالمنهج البنيوي، حيث يبين لنا أن هذا المنهج يعتمد أساسا على اعتبار النص الأدبي بنية مغلقة مثل بنية المنزل، وتتكون هذه البنية من أجزاء متصلة فيما بينها، حيث إننا مثلا لو اعتبرنا قصيدة معينة بنية أدبية، فالمكونات التي تهم المنهج البنيوي فيها هي مكونات الشكل والأسلوب فقط، مثل اللغة وهل هي تقريرية أو إيحائية، والأساليب الإنشائية والخبرية، والإيقاع من وزن وقوافي وأرواء ولن يهتم المنهج البنيوي بمعاني القصيدة ودلالاتها ورموزها إلا بشكل قليل وثانوي، فبالنسبة لهذا المنهج ما يهم فعلا هو الجمال الفني والأسلوبي واللغوي في النص وليس مضمونه.

ب‌. القضايا الجزئية (عناصر القضية):


وتتفرع القضية الأساسية إلى قضايا جزئية وعناصر تابعة، فقد عمِد الناقد في قضية أولى إلى التمييز بين مصطلحات المنهج البنيوي، فبين لنا أن المقصود بالبنية هو مجموع مكونات النص كاملة، في حين يدل مصطلح الأسلوب على الجوانب المتعلقة باللغة، هل هي لغة تقريرية أم العكس، هل تعتمد الخبر أم الإنشاء. أما القضية الثانية فتتمثل في تحديد مستويات البنية في النص الأدبي، حيث قسّم الناقد النصوص الإبداعية إلى مكونات جزئية متعددة، منها المكون الصوتي، ثم المكون النحوي، فالمعجمي ثم الرمزي، وبين أن وظيفة المنهج البنيوي تكمن في تحليل هذه المستويات جميعاً وتبيين طريقة اتصالها ببعضها البعض حيث تخلق جمالية فريدة للنص.

ج. مناقشة القضية:


وفي نظري الشخصي فهذا التحديد الذي وضعه الناقد للمنهج البنيوي تحديد دقيق، لكنه يجعلنا نتساءل هل فعلا قيمة النص الأدبي الإبداعي كالمسرح والقصة والرواية والشعر تكمن فقط في طريقة الكتابة والتقنيات التي يعتمد عليها المبدع؟ أرى شخصيا أن الأهم في النص ليس هو شكله فقط، بل إنّ الشكل على قدم المساواة في القيمة مع الرسالة والقيمة الفكرية والإنسانية التي يحملها، وإلا سيصبح الأدب مجرد كلام فارغ يعتمد فقط على تنميق الأسلوب والتلاعب باللغة.

د. البنية الحجاجية:


ولطرح قضيته وتبيين خصائص المنهج البنيوي اعتمد صلاح فضل على ثلاث أنماط من الحجج التنظيمية، أولها حجة التفسير حيث بين المقصود بمصطلح البنية وفسر معناها، ثم حجة المثال حيث أعطى مثالاً عن تداخل مكونات البنية الأدبية وتميز الأسلوب عن الشكل، فباعتماد القصة القصيرة بين كيف أن مكونات الشكل: الشخصيات، الزمان، المكان...تختلف عن مكونات الأسلوب: اللغة والتقنيات الحكائية. وبالإضافة إلى هاتين الحجتين تبرز في النص إحدى الحجج التنظيمية بشكل كبير، وهي حجة التصميم التحليلي أو ما أسميناه حجة التقسيم، حيث يقسم صلاح فضل بنية النص الأدبي إلى مكونات متمايزة ويفسر كل مكون، من نحو وصرف وصوت ودلالة ورموز.

ه. المصطلحات والمفاهيم:


ولا يخفى في النص تأثير الكلمات المفاتيح، أي المصطلحات، فمن خلالها تبين المعنى العام للنص واتضح المقصود بالمنهج البنيوي، ومن أهم مصطلحات النص نجد مصطلح البنية: ويقصد به النتيجة النهائية لتضافر كل المكونات الشكلية والأسلوبية داخل النص، من إيقاع وتقنيات وأساليب ومكونات زمانية ومكانية إلخ، ومصطلح الشكل: ويعني الجوانب المادية للنص، بعيدا عن المضمون، وهو الهيكل العام للنص، بالإضافة إلى مصطلح الأسلوب: ويعني به الناقد الطريقة الخاصة في الكتابة والتي لا تظهر إلا من خلال طريقة استعمال اللغة وطبيعتها، فهل هي إنشائية أو خبرية، تقريرية أم إيحائية..كل هذه المصطلحات كان الغرض منها تفسير المنهج البنيوي وتبيين المرتكزات التي بُني عليها.

و. مظاهر الانسجام والاتساق:


وقد اتسق النص باعتماد أساليب الوصل المعروفة، مثل حروف العطف: "كأنه هيكل عظمي [أو] التصميم الداخلي للنص"، حيث لعبت واو العطف و"أو" دورا هاما في الربط بين الجمل، وهو ما نجده أيضا في استعمال الأسماء الموصولة "المبادئ [التي] تحكم عملية التوليد"، وفي تقنية الإحالة أيضا سواء بالضمائر المتصلة أو المنفصلة أو المستترة، وكذلك بأسماء الإشارة: "[وبذلك] أصبح المنهج السائد في دراسة الأدب"، فتقنيات الاتساق جعلت النص النقدي الماثل أمامنا أكثر وضوحا وتماسكا، وقد زكّى ذلك فهمنا العقلي والذهني للنص باعتماد مبادئ الانجسام المعهودة، مثل مبدإ التشابه، حيث قسنا النص الحالي على النصوص السابقة بخصوص المنهج الاجتماعي وفهمنا أنه نص نقدي يتغيّا توضيح خصائص منهج نقدي.

ز. طريقة العرض:


أما فيما يخص طريقة عرض المادة النقدية، فقد اعتمد صلاح فضل على طريقة استنباطية، فقد بين مدلول البنية بشكل عام، ثم بعد ذلك أخذ يذكر أهم مكوناتها مع تعريف كل مكون، كما هو واضح في الفقرات الأخيرة من النص، حيث فصل في معنى المكون النحوي والصرفي والدلالي والرمزي إلخ.

5. تركيب:


وخلاصة القول إنّ في النص النقدي الماثل أمامنا تلخيصا جيدا لأهم عناصر المنهج البنيوي وتبيينا واضحا لأهم أغراضه وغاياته في عملية تحليل النصوص الإبداعية، فنحن نعلم أنه يهدف إلى تبيين الجمال الفني والأسلوبي والشكلي في النصوص، ولم يكن تبين ذلك ممكنا دون اعتماد الكاتب على بنية حجاجية متراصة ومتماسكة من تفسير وتمثيل وترتيب وتقسيم، بالإضافة إلى توظيفه لمصطلحات مفاتيح دالة بتركيز مثل مصطلحا البنية والأسلوب والشكل، وهي المصطلحات الأساسية في عملية التحليل البنيوي.

وفي نظري نجح الناقد في تفسير المقصود بالمنهج البنيوي، لكنه لم يسرد كل المصطلحات المهمة في المنهج، فيمكننا أن نضيف مصطلح التشابهات ومصطلح البؤرة، كما يمكننا أيضا أن نتساءل عن الغرض من كون الجمال الفني يقتصر في تصور رواد هذا المنهج على الشكل وعناصره فقط، ألا يمكن أن نقول إن لمضمون النص ورسالته دور هام أيضا في تحديد جمال النص؟



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-