ظاهرة الشّعر الحديث: مفهُوم الوجدان



ظاهرة الشّعر الحديث: مفهُوم الوجدان

منهجية تحليل المؤلفات 


(الأستاذ عبد الرحيم دوْدي)

مكوّن المؤلّفات

للسنة الثانية من سلك البكالوريا - شعبة الآداب والعلوم الإنسانية



ظاهرة الشّعر الحديث


















التّحليل 


يعدُّ كتابُ ظاهرةِ الشعر الحديث من أدقّ وأبرز الكُتب النقديّة في العالم العربي، وتتراءى فرادة هذا الكتاب في عُمقِه النقدي وترسانته المفهومية الدّقيقة، إنّه كتاب يتغيّا استكناه سيرُورة الشّعر العربي الحديث في تموّجاته وانعرجاته. ومن ثمة، استغوار الذاكرة الشعرية الحديثة وتفكيك بنياتها. ويبدو لي، من خلال التأمل الحصيف، أنّ القولة قيد الدّراسة، تندَرج ضمن الفصل الأوّل الموسوم بعنوان "التطوّر التّدريجي في الشّعر الحديث"، وبشكلٍ أكثر تخصيصاً، فإنّها تتأطّر ضمن القِسم الأوّل الذي يُعنى باستجلاء الخَصائص المائزة للاتجاه الوجداني.
ومن هنا يمكن أن نتساءل: ما خصائص التيّار الشعري لدى جماعة الديوان؟ ثم مَا المنهج الذي اعتمده الكاتب في دراسة هذا الفصل؟


في البداية، يمكنُ القول، إنَّ جماعة الديوان شكّلت مُنطلق الاتجاه الرومانسي في الأدب العربي، فقد ائتلفت رؤى رُوّاد هذِه المَدرسة في بوتقة متواشجة لا تنفصم عراها، وهي أن الشعر وجدان متّقدٌ؛ وجدان يهيج في أغوار الذات ويطفح شعراً فياضاً. بِيدَ أنّ تصوّرات رواد هذه الجماعة للوجدان تمايزت وتباينت بشكل بادٍ، الأمر الذي تفتّقت عنه أشعارٌ مختلفة من حيث التصوّر مُؤتلفة من حيث الجوهر.


لقد رأى العقاد الشعر باعتباره مزيجاً إبداعيّاً يتهادَى بين الشعور الفوّار والفكر الصارم، ضمن مدار تقاطبيّ يصير فيه الفيض الشعريّ خاضعاً لصرامة العقل. لهذا، لا غرو أن نجد النقاد ينعتونه بالشاعر المفكر. وهذا ما تدل عليه قصائده المثخنة بالاستدلالات المنطقية المجحفة. بينما رأى شكري الشعر انقطاعاً عن رتابة الحياة المُخصية، وارتياداً لملكوت التصوّف الجوانيّ الرهيف. في حين لم يستسغ المازني الحياة في ارتجافها الممل، فانفجر لظاهُ شرراً، كما ينفجر بركان خامد في وجه السماء.


وفي هذه النقطة من التحليل، خليقٌ بنا أن نؤكد بأنّ المجاطي قد اعتمد نسقاً منطقياً استدلاليا متماسكاً، قوامه المنهج التاريخي الذي وصّف المسار الكرنولوجي لتطور القصيدة العربية من البعث والإحياء النموذج إلى سؤال الذات. ثم المنهج الاجتماعي الكاشف عن الشروط الموضوعية الحاضنة للأثر الشعري.


وعموماً، يبقى كتاب ظاهرة الشعر الحديث من أهمّ الكُتب العميقة التي اختطت مساراً مفصلياً في تحليل المتاحِ الشعري الحديث، وتفكيك عوالمه تفسيرياً ونصيّاً. إنّه كتاب ينمُّ عن حصافةٍ فكرية وثابةٍ وعمقٍ نقدي ثاقب.












حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-