ظاهرة الشعر الحديث | تلخيص الفصل الأوّل

ظاهرة الشعر الحديث | تلخيص الفصل الأوّل


السنة الثانية من سلك البكالوريا؛ مسلك الآداب والعلوم الإنسانيّة


ظاهرة الشعر الحديث | تلخيص الفصل الأوّل

 الفصل الأول: التطور التدريجي في الشعر الحديث


القسم الأول: نحو مضمون ذاتي



أـ التيار الإحيائي: 

كانت مهمة هذا التيار هي تخليص الشعر العربي من رواسب الانحطاط والعودة بالقصيدة العربية إلى ما كانت عليه في العصور الذهبيّة، وكان هذا التيار محافظاً إلى حدّ كبير فتمسّك شعراءه بلغة القدماء وأساليبهم البيانية، ومن هنا كانت نقطة التحوّل الأولى في الشعر الحديث هي الالتفات إلى الماضي أكثر من الالتفات إلى ذات الشاعر وواقعه، وعموماً هذا التيار هو الذي مهّد الطريق وفسح المجال أمام الحركة التجديدية الأولى (التيار الذاتي) التي رفعت شعار الاستجابة لنوازع الذات.



ب ـ التيار الوجداني: 

شهد اِنطلاقته مع مدرسة الديوان وتبلور مع الرابطة القلمية وجماعة أبولو.

+ جماعة الديوان: 

تشكّلت هذه الجماعة من ثلاثة أعلام (عباس محمود العقاد، إبراهيم المازني، عبد الرحمان شكري)، كانت لهم رؤية موحّدة حول مفهوم الشعر باعتباره "وجدان"، لكن مفهوم الوجدان هذا اختلف من شاعر لآخر، فالعقاد يراه خليطاً من الفكر والشعور، في حين نجده عند المازني كلّ ما تفيض به النفس من شعور وعواطف وأحاسيس، أمّا شكري فيرى فيه تأمّل في أعماق الذات، هذا الاختلاف في مفهوم الوجدان أثمر تنوّعاً في المضامين الشعرية، فالعقاد كان الطابع الفكري ملازماً لشعره حتى في المواضيع الحميمية كالغزل تظلّ سلطة العقل حاضرة، وهذا ما جعل النقاد يعتبرونه فيلسوفاً قبل أن يكون شاعراً، على خلاف شكري الذي عطّل العقل المحض واعتبر المعاني جزء من النفس التي لا تدرك بالعقل وإنما تدرك بالقلب، أمّا المازني ففضّل التعامل مع الأشياء على أساس الانفعال المباشر دُون تدخّل للعقل أو توغّل في أعماق النفس، وبالتالي فالشعر عنده أشبه ما يكون بانفجار بركان.


+ تيّار الرابطة القلمية: 

سعى هذا التيار إلى توسيع مفهوم الوجدان ليشمل النفس والحياة والكون بما في ذلك الذات الإلهية، فاعتبروا أنّ العالم بكلّ مكوناته يستوطن الذات، فما على الإنسان إلاّ أن يتأمل في أعماقه فتكشف له الحجب ويرى كلّ شيء، لكن عند التمعّن في شعر الرابطة القلمية يتّضح غياب هذا التلاؤم بين النفس والكون، وبالمقابل نجد هُروب من الواقع والوجود والذي اكتسى ألواناً مُختلفة عند كلّ شاعر، فجبران فرّ إلى الغاب بأحلامه لتفادي كل ما يمكن أن يعكّر صفوة حياته، وفضّل حياة الفطرة على تعقّد الحضارة، أمّا نعيمة ففرّ إلى ذاته وأخذ يتأمّل في نفسه على الطريقة الصوفية وعياً منه أن ملكوت الله في داخل الإنسان، أما إليا أبو ماضي فلما فشل في تحقيق مبتغاه متوسّلاً  بالخيال تارة وبالقناعة والرضى تارة أخرى، اضطر اقتداء بجبران ونعيمة إلى الفرار من الناس، فاستنكر الحياة الاجتماعية وما تعج به من ضوضاء وفر إلى الغاب. وبالتالي يكون القاسم المشترك بين شعراء الرابطة هو الهروب والاستسلام والخنوع.


+ جماعة أبولو: 

كوّنها الدكتور أحمد زكي أبو شادي سنة 1932، فاتخذت من ذات الشاعر وتجاربه مصدراً للشعر، فإبراهيم ناجي المتعطّش للحب كرّس قصائده للحديث عن المرأة، في حين راح الصيرفي الفاشل في الحب إلى التغنّي بآلام النفس وجروحها، وانكفأ أبو شادي على ذاته لتضميد جراحها، وهام أبو القاسم الشابي بالجمال بسبب مرضه وإحساسه بقرب انفراط عقد حياته، أما عبد المعطي الهمشري فكان مولعاً بالطبيعة وسعى إلى استشراف ما وراء الحياة من خلال الموجودات، فحمل وحدته إلى قريته ليدفن ألمه وحزنه في مرجها العاطر، في حين حفل شعر محمود طه بمظاهر البهجة والمسرّة، وبالتالي تأرجحت الحياة عند هؤلاء الشعراء بين السعادة المطلقة والشقاء المطلق (الحنين، الشوق، اليأس، الأمل، الزهد في الحياة...)، لكن هروبهم إلى الطبيعة لم يمنحهم الخلاص الذي كانوا ينشدونه، فزاد من تعميق جروحهم وإحساسهم باليأس، حتى أصبح معظمهم يتغنون بالموت ويتمنونه.  


القسم الثاني: نحـــو شكــــل جديــــد

 لم يكن التطوّر الذي عرفه الشعر العربي مع التيار الذاتي تطوّراً منفصلاً بين الشكل والمضمون بل كان متكاملاً ومتوازيا، وعياً من الشاعر الوجداني أن كلّ تجربة جديدة لا تُعبّر عنها إلاّ لغة جديدة أيضاً مستوحاة من التجربة ذاتها على خلاف النموذج الإحيائي الذي اعتمد بالأساس على امتلاء الذاكرة بعيداً عن التجربة الذاتية. ومن هنا، جاء التجديد في الشعر الوجداني على مستوى الشكل في العناصر التالية:

 اللغة: 

توسّل التيار الوجداني بمعجم شعري أكثر سهولة ويسراً، بل الأكثر من ذلك اقتربت لغة الشعر عندهم من لغة الحديث اليومي المألوف كما عند العقاد في الكثير من القصائد الشعرية، لاسيما قصيدة "أصداء الشارع" في ديوانه "عابر سبيل"، أمّا إليا أبو ماضي فاتخذت  لغة الشعر عنده شكلاً نثريّاً محضاً وحديثاً عاديا مألوف ومُتدوال.


الصور البيانية: 

جاءت تعبيرية وانفعالية وذاتية ملتصقة بتجربة الشاعر، الهدف منها شرح عاطفة أو بيان حالة أو التعبير عمّا لا تستطيع الأساليب المباشرة التعبير عنه، على خلاف الصور الشعرية عند الإحيائيين التي اقترنت بالذاكرة التراثية، وكانت عبارة عن زخارف وأصباغ تراد لذاتها لا لشيء آخر. فالصورة الشعرية عند الشاعر الوجداني لها وظيفة نابعة من تجربته الذاتية ومن رُؤيته للحياة عبر تلك التجربة، وهي وظيفة ارتبطت بوظائف العناصر الشعرية الأخرى من أفكار وعواطف وأحاسيس. ومن خلال هذه العلاقة التي أقامها الشاعر الوجداني مع اللغة الشعريّة تولّدت خاصة من خصائص الشكل الجديد للقصيدة الحديثة وهي "الوحدة العضوية"، أصبحت بموجبها القصيدة بنية متراصة وكلاّ موحّداً، كما هو الحال بالنسبة لقصيدة العقاد "حكمة الجهل" التي تدُور جميع أبياتها حول موضوع واحد.


 تنوع القوافي واختلاف الأوزان

عمد الشاعر الوجداني إلى التغيير في الأوزان والقوافي على مستوى القصيدة الوحيدة تبعاً لتغيّر وتموّج الأفكار والعواطف كما هو الحال بالنسبة لقصيدة "الخير والشر" لميخائيل نعيمة، والتي اضطر فيها لبواعث عاطفية وموضوعاتية إلى تغيير القافية، حيث استخدم قافية الكاف في القسم الأول لتمييزها عن القسم الثاني الذي لجأ فيه إلى قافية "الميم" وهو يُريد بذلك أن يؤكّد أنّ القافية مُرتبطة بالمعاني والعواطف وتغيّراتها، كما نظم الشعراء الرومانسيون قصائد ذات موضوع واحد لكنها متنوعة القوافي والأوزان كقصيدة "المجنون" لإليا أبي ماضي التي زواج فيها بين تفعيلتين؛ تفعيلة الرجز وتفعيلة الهزج، وهو تنويع موسيقي ارتبط بالمعاني الجزئية وقدرة كل تفعيلة على تجسيد المعنى المراد.


هذه هي مجمل المكاسب التي حققتها القصيدة الوجدانية على مستوى الشكل، غير أنها لم تسلم من النقد اللاّذع الذي وجهه إليها النقاد المحافظون الذين لم يستسيغوا أن يمسّ التّجديد ما يعتبرونه شيئاً مقدّساً متوارثاً أبًا عن جدّ، وفي هذا الصدد تندرج الحملة التي شنها مصطفى صادق الرافعي على جبران لتذكيره بتجاوز الصيغ التعبيرية المألوفة، وتنبيهه إلى قداسة اللغة التي ينبغي الحفاظ عليها، غير أن اللغة لم تكن هي موضوع الصراع الوحيد بين المحافظين والمجدّدين، بل نشب صراع آخر بين المجدّدين أنفسهم حول القافية المرسلة والمزدوجة التي أنكرها العقاد وقبله شكري، واعتبرها شذوذاً يحيد بالسمع عن طريقه الذي تعوّد عليه وألِفه، ومن الحملات أيضاً على هذا التجديد ما قام به الدكتور طه حسين في تعليقه على قصيدة "المجنون". وعموماً انتهت هذه المعركة لصالح المحافظين الذين يخافون ركوب المغامرات ويفضّلون السير الهادئ، ومن تمّ تراجع المجدّدون عن مواقفهم واختفت المحاولات التجديدية التي اصطدمت بجدار النقد المحافظ. وبالتالي كانت نهاية التيار الوجداني نهاية حزينة على مستوى المضمون والشكل، فأمّا المضمون، فقد انحدر إلى مستوى البكاء والأنين والتفجع  والشكوى، وهي معانٍ تكشف عن الهزيمة والضعف والخذلان، أمّا على مستوى الشكل ففشل في مسيرته نحو الوصول إلى صورة تعبيرية ذات مقومات خاصة ومميزات مكتملة ناضجة بسبب التصدي العنيف للنقد المحافظ.













حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-